صدى العراق
{المدير العام}
عدد المساهمات : 193 تاريخ التسجيل : 10/09/2008 العمر : 59
| موضوع: سلوقيه طيسفون بهرسير اسماء لاسم واحد وهو المدائن الجمعة أبريل 16, 2010 10:45 pm | |
| سلوقيه طيسفون بهرسير اسماء لاسم واحد وهو المدائن
كتابات - حمزة الكرعاوي
في الوقت الذي كانت المملكة الاشورية تتمخض بالاضطرابات الداخلية ، وتلفظ انفاسها الاخيرة ، كانت قبيلة كلدو ، إحدى القبائل السامية الرحالة ، تزحف ببطء نحو سواحل الخليج العربي ، فلما رأت أن القوات الاشورية تكاد تتلاشى ، زحفت نحو سهل ( بابل ) فإحتلته وعمرت بابل إذ كان سنحاريب هدَّمها وأجرى الماء عليها ، وأعادت اليها رونقها واتخذتها قاعدة لبسط نفوذها .ثم هاجمت بقيادة مليكها (نبولاصر ) أشور نفسها فقللت من نفوذها. ولم يكتفِ الملك الكلداني بما فعله بل إتفق مع ( كي أخسار ) ملك الماذيين ، وهاجم جيشهما أملاك الاشوريين في شمالي العراق وفي شمالي سورية ، فأخذ الماذيون قسمها الشمالي ، وأخذ الكلدانييون القسم الجنوبي ، وهكذا إنقرضت الامبراطورية الاشورية عام 606 ق. م وبدأ نجم الدولة الكلدانية يتألق في سماء العراق .
والكلدانيون أخر من تسلط على بابل من الساميين وإتخذوها عاصمة لهم ، وأسسوا دولة بابل الجديدة ، وقد قام فيهم ملوك عظام أضراب نبوخذ نصر بن نبولاصر الذي حكم 43 عاماً ( 604 ق. م. - 561 ق. م ) وحارب المصريين ، وأجلى اليهود عن ديارهم ، ودمر عاصمتهم وقدس أسرارهم ( القدس ) .
وفي ايام نبوخذ نصر قسم البابليون النهار الى 24 ساعة ، والساعة الى 60 دقيقة ، والدقيقة الى ستين ثانية ..... الخ ، وإكتشفوا السنة الشمسية والسنة القمرية ، والخسوف والكسوف ، وسائر الظواهر السماوية .
ولما بدأت الاحزاب ولاسيما حزب الكهنة ، تتدخل في شؤون المملكة حدث الانقسام العظيم في صفوفها (1) وأخذت المطامع والاغراض الشخصية تنخر عظامها ، فما من الماذيين الا أن إنقضوا عليها وجعلوها خبراً من الاخبار .
الماذيون والفرس : الماذيون من الشعب الآري الذي سكن البلاد المسماة اليوم ( أذريبجان ) وقد ساهموا مع الكلدانيين في إقتسام مملكة آشور ، كما قدمنا ، فكانت صلاتهم مع شركاءهم حسنة ، وكانت فارس خاضعة إذ ذاك للماذيين ، الذين تربطهم والفرس لحمة نسب .
وكان كوروش الفارسي طموحاً ، وضع نصب عينيه التخلص من سيطرة الماذيين ، وتأسيس إمبراطورية فارسية كبرى ، فإهتبل فرصة إنشغال جيوشهم في الغرب ، فثار عليهم وإحتل ملكهم ، وجعل الشعبين الماذي والفارسي يستظلان تحت راية واحدة ، وأعلن نفسه ملكاً على الدولة التي سماها دولة الكيانيين .
وقد أخاف عمل كوروش الدول القريبة منه ، والبعيدة عنه ، على السواء ، فإتخدت ضده الدول الاربع ( ليدية وإسبارطة و الكلدان ومصر ) حتى لايستضعفها ويقضي عليها آحاداً ، ولكن الدهر كان قد إبتسم للملك الفارسي الجديد ، فحمل على الليديين وإكتسح دولتهم عام 546 ق. م ، وتبسط في آسيا الغربية فضم الى مملكته المستعمرة الاغريقية القائمة على شاطئ آسيا الصغرى ، ثم حوَّل نظره نحو الكلدانيين ، فقوض ملكهم وقضى على نفوذهم عام 539 ق. م ، وبإنقراض الكلدانيين طويت أعلام الساميين التي كانت تخفق على روابي العراق وقلاعه ، ونشرت عوضها رايات الشعب الآري الغريب على هذه البلاد ، فإنقطع سير التأريخ العراقي منذ ذلك الحين ، وإنحطت حالة البلاد العراقية التي كانت حتى ذلك الوقت وحدة سياسية وجغرافية ، وتردَّت حتى صارت ولايتها تابعة الى سيطرة أجنبية .
على أن كورش قتل عام 529 ق.م ، قبل أن يتمكن من مصر ، فخلفه ابنه قمبيز وتمكن منها عام 524 ق. م . ثم خلف قمبيزاً ( دارا ) فسار سيرة من تقدمه في التوسع والسيطرة ، وكان العراق مدة ايامه تحت حكم الدولة الفارسية (2) التي عرفت بالدولة ( الكيانية ) يؤدي الاتاوة لها ، كما تؤدي الولايات الخاضعة لنفوذها ، وكان له حاكم عام يدير دفة الادارة والحرب والسياسة ، كما كان له مجلس قضائي يسير على ماجاءت به شريعة البلاد ، لان الكيانيين كانوا على دين زرادشت ، وكانت البلاد العراقية على دين آخر ، فلم يرَ الملك الفارسي أن يحمل أهل العراق على الدخول في الديانة الزراديشتية لذلك اقام المجلس المذكور .
اليونانييون : كانت البلاد اليونانية مماليك متفرقة ، لكل منها ملكها وحكومتها وحضارتها ، فإعتزعم فيليب ( ملك مقدونيا ) والد الاسكندر الشهير أن يوحدها ويجعلها كتلة واحدة ، يهابها البعيد ويخشاها القريب ، فإستولى على هذه المماليك الواحدة بعد الاخرى ، ثم إغتالته إحدى العصابات فخلفه ابنه ، إسكندر الكبير ، وكانت خطته ترمي الى فتح جزيرة العرب كلها ، وجعل العالم تحت زعامة واحدة ، فحرَّر آسية الغربية من نير الفرس ، وأخذ يطاردهم حيثما توجهوا ، وإشتبك مع (دارا) في معركة اربل عام 331 ق.م فدحر جيشه وتدمره تدميراً ، ثم قوَّى عمله هذا همة اوربة من جهة ، وحد نشاط آسية وشجاعتها من جهة أخرى .
ثم سار الاسكندر قاصداً بابل فدخلها بين هتاف الشعب ومزاميره (3) فطارد فلول الجيش المنكسر حتى وجد دارا قد قتل بجوار بلخ ، وبمقتله إنقرضت تلك الدولة الفارسية ، فورثتها الدولة اليونانية ووضعت يدها على كل ما كانت تملكه من البلاد والمماليك المفتوحة ، ومن ضمنها العراق .
ولما مات الاسكندر الكبير ، وهو في الثالثة والثلاثين من عمره ، والثالثة عشرة من حكمه ، ماتت بموته إمبراطوريته ، ولكن لم تمحَ آثار سياسته الاستعمارية ، ولو قدر له أن يعيش عشر سنوات أخرى ، لتمكن من بلوغ الانقلاب الذي كان ينتظره ويريد إحداثه في العالم ، والمزج بين المدينتين الشرقية والغربية ، وكون منهما عالماً جديدا ، على أنه بفتوحاته الواسعة أكسب اليونانيين تفوقاً في السياسة ، كانوا قد بلغوا مثله في الحضارة (4) ، وقد مات عن طفل قبل أن يبصر النور ، وعن أخٍ معتوه لم يصلح للملك ، فحدثت بين قواده المبرزين ( بطلموس وأنطيغونس و سلوقس ) معارك شديدة على الامارة والملك استمرت مدة طويلة ، ولم تكد نيرانها لتخمد في جهة حتى تستعر في جهة أخرى ، واستمرت تلك حتى قتل أنطيغونس ، فرضي حلفاءه بمقدونية وبلاد اليونان ، وأخذ بطليموس مصر وفلسطين ، وكان نصيب سلوقس معظم ماكان يعرف بمملكة الفرس في آسية ، وكان العراق ضمنها ، فألف كل من هؤلاء القادة دولة مستقلة ضمن المنطقة التي كانت نصيبه من هذا التقسيم ، ومن هناك نشأت الدولة السلوقية في العراق ، ووضعت لها تأريخاً جديداً مبدؤه عام 331ق.م ، وهو العام الذي بدأت فيه حياتها ، فعمر ت المدن والمماليك المفتوحة ، وأنشأت عاصمة لها على الضفة اليمنى من دجلة في الموضع الذي يبعد نحو ثلاثين كيلو مترا ً عن بغداد جنوباً ، وسمتها (سلوقية ) فأضحت هذه العاصمة تضاهي ( بابل ) في الثروة والعمران والنفوذ ، وبينما كانت هذه الدولة تحاول تحقيق أهداف الاسكندر الكبير ، عاجلها القدر عام 247 ق.م فقرضها الفرثيون بعد أن كانت سيدة عليهم ( وتلك الايام نداولها بين الناس ) صدق الله العظيم .
الفرثيون : الفرثيون ، نسبة الى بلاد فرثية ، المسماة اليوم ( خراسان ) قوم يتصل نسبهم بالايرانيين ، خضعوا لحكومات مختلفة كان آخرها الدولة السلوقية التي قامت في العراق عام 331ق.م . على نحو مابسطناه آنفاً ، فلما شعروا بالضعف يتسرب الى صفوف السلوقيين ، من جراء الحروب التي إستمرت بينهم وبين الرومانيين مدة طويلة ، إنقضوا عليهم تحت لواء زعيمهم ( أرشاق ) وإستولوا على مخلفاتهم وذلك سنة 126 ق.م .
ولم يرق الفرثيين ( الارشاقيين ) إتخاذ مدينة ( سلوقية ) عاصمة لهم ، ولم تكن (بابل ) التي دمرتها الحروب خليقة بأن تكون عاصمتهم ، فإبتنوا مدينة ضخمة جديدة على الضفة اليسرى من دجلة قبالة (سلوقية ) سموها ( طيسفون ) أو المدائن المعروفة في أرض طاق كسرى .
وحالف الدهر الفرثيين في بدء امرهم ، كما حالف الامم والدول التي تقدمتهم ، فقسموا مملكتهم الى دويلات صغيرة جعلوا لكل واحدة منها أمير يحكم واحدة منها ، ويخضع للملك الفرثي الجالس على عرش طيسفون ، فأحس الامراء إدارتها ، وتنظيمها ، لكن سرعان ماعبس الدهر في وجوههم . فإن ارومانيين الذين كانوا قد قرضوا الدولة السلوقية في سورية ، صاروا يطمعون في العراق ، فوقعت بينهم وبين الفرثيين معارك دامية ، ودامت الحال على هذا المنوال زمناً طويلاً حتى ثار الفرس ثورتهم العظمى سنة 224 بعد الميلاد يقودهم ( اردشير بن بابك ) فأخضعوا في زمن قصير جميع بلاد فارس ، وتوجهوا الى العراق عام 226 بعد الميلاد فدحروا ( أردوان ) آخر ملوك الفرثيين في موقعة هرمز في السنة المذكورة ، فإنقرضت الدولة الفرثية ( الارشاقية) فيه بعد أن عمرت 473 عاماً وبقي العراق تحت نير الفرس الساسانيين حتى عام 636 للميلاد .
الساسانيون : ترك الفرثيون الملك للساسانيين فسارت البلاد في العهد الجديد خطوات واسعة في مضمار الرقي والتقدم ، وإزدهرت فيها أعمال الري ، وأقيم إيوان كسرى الذي لايزال اثراً منه ماثلاً للعيان في طيسفون . ومات اردشير سنة 241 م فخلفه ابنه ( سابور الاول ) فتابع خطط والده في التوسع والاصلاح ، وإشتهر بين الملوك الساسانيين ( سابور الثاني ) (310-379 ) وقباذ الاول ( 488 - 531 ) وكسرى الاول أنو شروان الذي لقب العادل ( 531 - 579 ) وكسرى ابرويز ( 590 - 628 ) وفي أيامه حدثت النكبة المعروفة في التاريخ . فإن الساسانيين كانوا قد إقتطعوا من الدولة الرومانية ( مدينة أنطاكية ) ومن أجلها وقعت بين الرومانيين وبينهم حروب دامية ، فلما تسنم عرش القياصرة ( هرقل ) جمع فلول جيشه وغار على غرمائه يطاردهم في عقر دارهم ، ولما إقترب من النهروان إضطربت أحوال الساسانيين فخلعوا كسرى ابرويز عام 628 م ، ونادوا بإبنه شيرويه قباذ الثاني ملكاً عليهم ، فما كان من كسرى الجديد إلا أن عقد صلحاً مع ( هرقل ) على أن تبقى الحدود بين المملكتين على ما كانت عليه من قبل .
| |
|